فصل: ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنـه دخـل السلطـان محمـود إلـى بغداد يوم تاسع عشر محرم وأقام دبيس في بعض الطريق واجتهد في أن يمكن دبيس‏.‏من الدخول أو أن يرضى عنه ونفذ إلى زنكي ليسلم البلاد إلى دبيس فامتنع‏.‏

وفـي صفـر‏:‏ تقـدم السلطـان بالختـم علـى أمـوال مدرسـة الإمـام أبـي حنيفـة ومطالبـة وكلائـه بالحساب ووكل بقاضي القضاة الزينبي لأجل ذلك وكان قد قيل له أن دخل المكان نحو ثمانين ألف دينار وما ينفق عليه عشرة‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ درس أسعد الميهني بجامع القصر لأن الوزير أحمد منعه من النظامية‏.‏

وفـي الأحـد سلـخ ربيـع الآخـر‏:‏ خلـع المسترشـد علـى نقيـب النقبـاء أبـي القاسم بن طراد واستوزره وضمن زنكي أن ينفذ للسلطان مائة ألف دينار وخيـلًا وثيايـًا علـى أن لا يغيـر عليـه ساكنـًا واستقـر علـى الخليفة مثل ذلك على أن لا يولى دبيس فباع الخليفة عقارًا بالحريم وقرى وما زال يصحـح‏.‏

ثـم أن دبيسـا دخـل بغداد بعد جلوس الوزير في الوزارة ثلاثة أيام ودخل دار السلطان وركـب فـي الميـدان وقعـد فـي دجلـة فـي سفينـة السلطـان وراءه النـاس وجـاء زنكـي فالقـى نفسـه بيـن يدي السلطان وحمل معه هدايا فائقة فاكرمه يخلع عليه بعد ثلاثة أيام واعاده إلى الموصل ونفذ الخليفة إلى السلطان خلعًا كان قد أعدها له مع الوزير أبي القاسم الزينبي يوم الجمعة ثالث جمـادي الآخـرة وكـان الوزيـر فـي الزبـزب والموكب في سفن والناس على دجلة وفي السفن يدعون للخليفة السلطان ويلعنون دبيسًا وكان سنجر قد سلم دبيسًا إلى ابنته امرأة محمود فكانت هي التي تمانع عنه ورحل السلطان من العراق يطلب همذان يوم السبت رابع جمادى الآخرة وسلمت الحلة إلى بهروز والشحنكية أيضا‏.‏

واتفق أنه ماتت بنت سنجر التي كانت تدافع عن دبيس ومرض محمود فأخذ دبيس ولدًا صغيرًا لمحمود فلم يعلم به حتى قرب من بغداد فدون الخليفة العساكر وخرج بهروز من الحلة هاربًا فقصدها دبيس فدخلها في رمضان وبعث بهروز كاتبه يعلم السلطان بمجيء دبيس فوصلوا وهناك نظر الخادم قد بعث الى السلطان ليقيمه من العزاء ويخلع عليه فلما سمع نظر بذلك دخل على السلطان وعظم الامر وقال له‏:‏ منعت أمير المؤمنين ان يدون وسلطت عليه

عدوه وكيف يكون الحال فبعث السلطان فاحضر قزل والأحمـد يكـي وقـال‏:‏ أنتمـا ضمنتمـا دبيسًا فلا أعرفه إلا منكما فضمن الأحمد يكي ذلك على نفسه ورحل يطلب العراق فبعث دبيـس إلـى الخليفة‏:‏ إنك إن رضيت عني رددت أضعاف ما نفذ من الأموال وأكون المملوك فقال الناس‏:‏ هذا لا يؤمن وباتوا تحت السلاح طول رمضان هذا ودبيس يجمع الأموال ويبيع الغلة وقسط علر القرى حتى‏.‏

إنه حصل علر ما قيل خمسمائة ألف دينار وأنه قد دون عثرة آلاف فارس بعد أن وصل في ثلثمائة ثم إن الأحمد يكي وصل إلى بغداد يوم الخميس تاسع عشر شوال ودخل إلى الخليفة وأعطاه يده فقبلها ثم خرج فعبر قاصدًا إلى الحلة‏.‏

ووصل الخبر بأن السلطان قد وصل إلى حلوان وجاءت العساكر وضاق الوقت على الحاج فأمر عليهـم أميـر سـار بهـم فـي ثمانيـة عشـر يومـًا فلقـوا شـدة فلمـا سمـع دبيـس هـذه الأخبـار بعـث إلـى السلطان برسالة وخمسة وخمسين مهرا عربية‏.‏

قد انتقاها ونفذ ثلاثة بغال عليها صناديق مال وذكر بعض أصحاب دبيس أنه قد أعد للسلطان أن أصلح نوبته مع الخليفة ثلاثمائة حصان له وللخليفة مثقلة بالذهب ومائتي ألف دينار وإن لم يرض عنه دخل البرية وأنه قد أعد الجمال والروايـا والدقيـق فبلغـه أن السلطـان غيـر راض عنـه فـي هـذه النوبـة فأخـذ الصبـي وخـرج مـن الحلة لا يدري أين مقصده‏.‏

وفـي شعبـان خلـع علـى نـور الدولـة أبـي الحسـن علي بن طراد وعقدت له النقابة على الناقباء ثم خرج الوزير لاستقبال السلطان يوم الجمعة رابع ذي القعدة فلقيه بما يسره وأعطاه فرسه ومركبه وكانت قيمتها ثلاثين ألف دينار ثم مرض السلطان‏.‏

ووصل الخبر أن دبيسًا دخل البصرة وأخذ منها أموالًا كثيرة وجميع دخـل السلطـان والخليفـة فبعـث السلطـان إليـه عشرة آلاف فارس ومتقدمهم قزل فلما علم دبيس جاء إلى نواحي الكوفة ثم قصد البرية وانقطع خبره وفي هذه السنة‏:‏ خنق رجل يقال له ابن ناصر نفسه بحبل شده في السقف وفيها‏:‏ قتل من كان يرمى بمذهب الباطنية في دمشق وكان عددهم ستة آلاف وفيها‏:‏ وصل الإفرنج إلى باب دمشق فنفذ بعبد الوهاب الواعظ من دمشق ومعه جماعة من التجار وهموا بكسر المنبر فوعدوا بأن ينفذ إلى السلطان ذلك‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أسعد بن أبى نصر الميهني أبوالفتح تفقه على أبي المظفر السمعاني وغيره وبرع في الفقـه وفـاق فـي النظـر وتقـدم عنـد العـوام والسلاطين وحصل له مال في ودخل بغداد وفوض إليه التدريس في النظاميـة وعلـق بهـا جماعة‏.‏

تعليقة الخلاف وأدركه الموت بهمذان في هذه السنة فحكى بعض من كان يخدمه من الفقهاء قال‏:‏ كنا معه في بيت وقد دنت وفاته فقال لنا‏:‏ اخرجوا فخرجنا فوقفنا على الباب وتسمعـت فسمعتـه يلطـم وجهه ويردد هذه الكلمات ويقول‏:‏ واحسرتا على ما فرطت في جنب الله وجعل يبكي ويلطم وجهه ويردد هذد الكلمات حتى مات‏.‏

حمزة بن هبة الله أبو الغنائم بن أبي البركات بن أبي الحسن حمـزة بـن هبـة اللـه بـن محمـد بـن الحسـن بـن داود بـن علـي بـن عيسـى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيـد بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالـب أبـو الغنائـم بـن أبـي البركـات بـن أبـي الحسـن‏.‏

مـن أهل نيسابور ولد سنـة تسـع وعشريـن وأربعمائـة وسمـع الكثيـر وحـدث بالكثيـر وضـم إلـى شرف النسب شرف التقوى زيدي المذهب توفي في محرم هذه السنة‏.‏

منصور بن هبة اللّه بن محمد أبو الفوارس الموصلي الفقيه الحنفي‏.‏

كان من العدول ثم ولي القضاء بنواح مـن سـواد بغـداد وكـان مـن المجودين في النظر ومعرفة المذهب وردت إليه الحسبة بالجانب الغربي وتوقي في صفر هذه أبو المكارم بن المطلب عز الدولة كان أستاذ دار الخليفة فتوفي يوم الجمعة تاسع رجب هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة اربع وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنـه فـي خامـس المحـرم ولـي ابـن النرسـي الحسبـة وعـزل أبـو عبد اللهّ ابن الرطبي وظهرت منه زلات كثيرة وطولب بخمسمائة دينار‏.‏

قـال شيخنـا أبو الفضل بن ناصر‏:‏ وكانت زلزلة عظيمة هائلة في ليلة الجمعة السادس عشر من ربيع الأول سنة أربع وعشرين وكان ذلك في آخر شباط وكنت في المسجد بين العشائين فماجت الأرض مرارًا كثيرة‏.‏

من اليمين عن القبلة إلى الشمال فلو دامت هلك الناس ووقعت دور كثيرة ومساكن في الجانب الشرقي والغربي ثم حدث موت محمود وفتن وحروب‏.‏

ووردت الأخبار في العشر الأخير من جمادى الاولى أنه ارتفع سحاب عظيم ببلد الموصل فأمطر مطرًا كثيرًا وفـي هـذه السنـة‏:‏ أمـر بهـدم تـاج الخليفـة علـى دجلـة لانـه أشرف على الوقوع فلما نقض في أعلاه في الركـن الشمالـي مصحـف جامـع قـد جعـل فـي غلـاف مـن سـاج ولبـس بصحائـف الرصـاص فـي رق بخط كوفي فلم يعلم لذلك معنى أن يكون للتبرك به ثم أعيد بناء التاج في تمام السنة ووصـل الخبـر بكسـر الإفرنـج مـن دمشـق وأنـه قتـل فـي تلك الوقعة عشر آلاف نفس ولم يفلت منهم سـوى أربعيـن نفـرًا ووصـل الخبـر بـأن خليفـة مصـر الآمر بأمر اللّه قتل فوثب عليه غلام له أرمني فملـك القاهـرة وفرق على من تبعه من العسكر مالًا عظيمًا وأراد أن يتأمر على العسكر فخالفوه ومضـوا إلـى ابـن الأفضـل الذي كان خليفة قبل المقتول فعاهدوه وخرج فقصد القاهرة ققتلوا الغلام الذي في القاهرة ونهبت ثلاثة أيام وملك ابن الافضل‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن أبي القاسم بن رضوان صهر ابن يوسف سمع القاضي أبا يعلى والجوهري وكان سماعه صحيحًا وكـان رجـلًا صالحـًا كثيـر الصدقـة وتوفي سحرة يوم الأحد غرة جمادى الآخر ة وصلى عليه بجامع القصر فحضر القضاة والفقهاء إبراهيم بن عثمان بن محمد بن محمد أبو إسحاق الغزي من أهل غزة بلدة بفلسطين وبها ولد الشافعي ولد في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وكان أحـد فضـلاء الدهر ومن يضرب به المثل في صناعة الشعر وكان له خاطر‏.‏

مستحسن وشعر مليح ومن أشعاره قوله في قصيدة يصف فيها الأتراك‏:‏ في فتنة من جيوش الترك ما تركت للرعد كراتهم صوتًا ولا صيتًا قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة حسنًا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا إنما هذه الدنيا متاع والسفيـه الغـويُ مـن يصطفيهـا ما مضى فـات والمؤمـل غيـب ولـك الساعـة التـي أنـت فيها وله من قصيدة‏:‏ ليت الذي بالعشق دونك خصَّني ياظالمي قسم المحبة بيننا‏.‏

ألقـى الهزبـر فـلا أخـاف وثوبـه ويروعنـي نظـر الغـزال إذا رنا وله‏:‏ وقالـوا بـع فؤادك حين تهوى لعلك تشتري قلبا جديدا وترك قول الشعر وغسل كثيرًا منه وقال‏:‏ قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة باب البواعث والدواعي مغلق خلـت البلـاد فـلا كريـم يرتجـى منه النوال ولا مليح يعشق ومـن العجائـب انـه لا يشترى ويخان فيه مع الكساد ويسرق خـرج الغـزي مـن مـرو إلـى بلـخ فتوفـي فـي الطريـق فحمـل إلى بلخ فدفن بها وكان يقول‏:‏ اني لأرجو أن يعفـو اللـهّ عنـي ويرحمنـي لأنـي شيـخ مسـن قـد جـاوزت السبعين ولأني من بلد الامام الشافعي وكان موته في هذه السنة حقق الله رجاءه

الآمر باللّه خليفة مصر هجم عليه عشرة غلمان من غلمان الأفضل الذي كان من قبله فقتلوه في ثاني ذي القعدة من هذه السنة الحسين بن محمد بن عبد الوهاب أبو عبد اللّه البارع الحسيـن بـن محمـد بـن عبـد الوهـاب بـن أحمـد بـن محمـد بـن الحسيـن عبيـد اللّـه بـن القاسم بن سليمان بـن وهـب أبـو عبـد اللّـه النحـويَ الشاعـر المعـروف بالبارع أخو أبي الكرم المبارك بن فاخر النحوي ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة وقرأ القرآن بالقراآت على أبي بكر الخياط وأبي علي ابن البناء وغيرهما وأقرأ وصنف له شيخنا أبو محمد المقرىء كتابًا يتضمن الخلاف بما قرأه وسمع الحديث من القاضي أبي يعلى ابن الفراء وابن المسلمة وأبي بكر الخياط وغيرهم وحدث عنهم‏.‏

قال المصنف‏:‏ وسمعت منه الحديث وكتب لي اجازة وكان فاضلًا عارفًا باللغة والأدب وله شعر مليح‏:‏ أنبأنا أبوعبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع أنه قال‏:‏

ردي علي الكرى ثم اهجري سكني ** فقد قنعت بطيف منك في الوسن

لا تحسبي النوم مذ أوحشت أطلبه ** الا رَجاءَ خيال منـك يؤنسنـي

علمت بالهجر جنبي هَجْر َمضجعِه ** وبالفراق فؤادي صحبـة الحـزن

تركتني والهوى فردًا أغالبه ** ونـام ليلك عَن هَم يؤرقني

سلمت مما عناني فاستهنت به ** لا يعرف الشجو إلآ كل ذي شجن

شتان بيـن خلـي مطلـق وشـج ** في ربقة الحب كالمصفود في قرن

اللّه فىِ كبدي الحرى عليك وفي ** قلبي المعنـى بمـا كلفتـه الضمـن

إن كان يوجب ضري رحمتي فرضا ** بسوء حالي وخلي للضنا بدني

ياهم نفسي في قرب وفي بعـد ** وضن قلبي في حل وفـي ظعـن

لو قيل لي نل من الدنيا مناك لما ** جعلت غيرك لي حظًا من الزمن

منحتك القلب لا أبغي بـه ثمنـًا ** إلا رضاك ووا فقري إلى الثمن

ذكر الأحبـاب والوطنـا ** والصبـا والإلـف والسكنا

فبكـى شجوًا وحق له ** مدنـف بالشـوق حلف ضنا

أبعدت مرمى به طرحت ** من خراسان به اليمنا

خلسـت مـن بيـن أضلعـه ** بالنوى قلبًا به ضمنا

من لمشتاق يميله ذات سجع ميلت ** فننا لم تعرض بالحنين

بمن مسعد إلا وقلت أنا لك يا ** ورقـاء أسـوة مـن لـم تذيقـي

طرفـه الوسنا بك أنسى قبل ** أنسك بي فتعالي نبد ما كمنـا

اسرحا رأد النهار معا ** واسكنا جنـح الدجـى غصنـا

وابكيا يا جارتَيّ لما ** لعبـت أيدي الفراق بنا كـم ترى

أشكو البعاد وكم ** أنـدب الأطلـال والزمنـا

أين قلبي ما صنعت بـه ** ما أرى صحري له سكنا

حان يوم النفر وهو معي ** فأبى أن يصحب البدنا

أبـه حـادي الرفاق حدا ** ام لـه داعـي الفـراق عنا

لسـت يـا اللّـه أتهـم في ** شأنه الا ثلـاث منـا

خلسته لا أبرئها ** عيـن ريم الخيف حين رنا

رفعت سجف القباب فلا ال ** فرض أدينـا ولا السننـا

رشقتنما عن حواجبها ** بسهام تنفـذ الجننـا

كم أخـي نسـك وذي ورع ** جـاء يبغـي الحـج فافتتنا

انصفـوا يـا موحشيـن لنا ** ليـس هـذا منكـمُ حسنـا

سهل بن محمود بن محمد بن إسماعيل أبو المعالي البَّراني والبرانية من قرى بخارى سمع الحديث الكثير وحدث وتفقه خرج إلى مكة فأغارت العرب على الحاج فبقي هو ورفقاؤه حفاة عراة ثم تنقلوا إلى مكة وقد فاتت الرفقة فجاور مكة ثم خـرجِ إلـى اليمـن فركـب البحـر ثـم مضـى إلـى كرمـان ثـم خراسـان‏.‏وكـان إمامـًا فاضـلًا مناظراَ واعظًا متشاغلًا بالتعبد وتوفي ببخارى في هذه السنة عباد بن حميد بن طاهر بن عبد اللّه الحسنابادي الأصفهاني سمع من جماعة وروى لنا الحديث وتوفي بعد العشرين والخمسمائة‏.‏

محمد بن سعدون بن مرجا العبدري القرشي أبو عامر الحافظ أصله من برقة من بلاد المغرب ودخل إلى بغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة فسمع من طراد وابن النظر ومالك البانياسي والحميدي ونظرائهم حتى سمع من مشايخنا أبـا بكـر بـن عبد الباقي وابن السمر قندي وكان يذهب مذهب داود وكانت له معرفة بالحديث حسنة وفهـم جيـد وكـان متعففـًا فـي فقـره ومـرض يوميـن وتوفـي فـي ربيـع الآخـر مـن هذه السنة ودفن في مقبرة غلام الخلال‏.‏

هبة اللّه بن القاسم بن عطاء بن محمد أبو سعد المهرواني كان حافظًا لكتاب اللهّ عز وجل نبيلًا من بيت العلم والورع والزها والحديث وكانت سيرته مرضيـة انـزوى فـي آخـر عمـره وتـرك مخالطـة النـاس وأقبـل علـى العبـادة وتوفـي فـي جمـادى الاولـى مـن هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن دبيـس بـن صدقـة ضـل فـي طريقـه فقبـض عليـه بحلـة حسـان بـن مكتوم الكلبي من أعمال دمشق وانقطع أصحابه فلم يكن له منجى من العرب‏.‏

فحمل إلى دمشق فحمله أميرها ابن طغتكين وباعه من زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل والشام بخمسين ألف دينار وكان زنكي عدوه فلمـا ورد الخبـر بذلـك خلـع علـى الرسـول واخـرج ابـن الانبـاري إلـى جانـب دمشق ليتوصل في أخذه وحملـه إلـى دار الخلافـة فلمـا وصـل إلـى الرحبـة قبـض عليـه أميـر الرحبـة بتقـدم زنكي إليه وحمل إلى قلعة الموصل‏.‏

ووصـل الخبـر فـي ربيـع الـأول أن مسعودًا أخا محمود قد انفصل عن سنجر وجاء يطلب السلطنة وقد اجتمع اليه جماعة من الأمراء والعساكر فاختلط أمر محمود وعزم أن يرحل إِليه فبعث الى المسترشد يستأذنه فأجابه‏:‏ إنك تعلم ما بيني وبينك من العهد واليمين وإني لا أخرج ولا أدون عسكرًا وإذا خرجت عاد العدو وملك الحلة وربما تجدد منه ما تعلم‏.‏

فقال له‏:‏ متى رحلت عن العراق وجدت له حركة وخفت على نفسك وعلى المسلمين وتجدد لي أمر مع أخي فلم أقدرعلى المجيء فقد نزلت عن اليمين التي بيننا فمهما رأيت من المصلحة فافعله‏.‏

فخلع عليه الخلع السنية وخرج ثم أرسل مسعود بمـا يطيـب القلـب فالتقيـا وتحالفـا واعتنقـا وحمل مسعود الغاشية بين يديه وبعث وزير محمود من الآلات ما قوم مائة وخمسين ألف دينار وأعطاه السلطان العساكر والأجناد ورحل‏.‏

وتوفي ولد المسترشد بالجدري وكان ابن احدى وعشرين سنة فقعدوا للعزاء به يومين وقطع ضـرب الطبـل لأجلـه وفـي رجـب‏:‏ أعيـد الغيـار علـى أهـل الذمة وتوفي السلطان محمود فأقاموا مكانه ابنه داود وأقيمت له الخطبة ببلاد الجبل وآذربيجان وكان أحمد بكى أتابكه والوزير أبو القاسم الملقب قوام الدين وزيره وقصد حرب عمه مسعود وتقدم بقطع الجسر من رأس نهر عيسى ونصبه بباب الغربة يوم الآحد ثالث عشرين ذي القعدة فكثرت الأراجيف لنقله وصار مستنزهًا مليحًا يجتمع الناس بعد العصر تحت الرقة كما كانوا يجتمعون في الرحبة‏.‏

وفـي يـوم الاثنيـن الثانـي عشـر مـن شـوال‏:‏ أحضـر كثيـر بـن شماليـق وأبو المعالي بن شافع وأبو المظفر ابن الصباغ وقد شهدوا شهادة زور اعتمدوها وأخذوا عليها رشوة كبيـرة فـي دار مرهونـة بكتـاب ديـن ورهن واعتمد الراهن وهي امرأة أقرت بها بعد ذلك لابنتها تقصد بذلك إخراجها عـن الرهـن فأقروا على ذلك فلما ثبت أنهم شهدوا بالزور في القضية أخرجوا إلى باب النوبي مع حاجب الباب وابن النرسي المحتسب وأقيمـوا علـى الدكـة ودرروا ثلاثتهـم وحضـر ذلـك الخاص والعام وأعيدوا إلى حجرة حاجب الباب‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن علي بن محمد أبو السعود ابن المحلي البزاز ولد سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وسمع أبا الحسين بن المهتدي وأبا جعفر بن المسلمة وابن النقـور والخطيـب وغيرهـم‏.‏

وحـدث عنهـم وكـان سماعـه صحيحـًا وكان شيخًا صالحًا ذا هيبة وستر سمعت منه الحديث ورأيته يذكر بجامع المنصورفي يوم عرفة وتوفي الاثنين ثامن ربيع الأول ودفن بمقبرة جامع المنصور أحمد بن محمد بن عبد القاهر أبو نصر الطوسي سمع المهتدي وابن المسلمة وابن النقور وكان سماعه صحيحًا وتفقه على أبي إسحاق وكان شيخًا لطيفًا عليه نور‏.‏

قال المصنف‏:‏ وسمعت منه الحديث وأجاز لي جميع رواياته وأنشدني أشعارًا حسنة فمنها أنه أنشدني‏:‏ على كل حال فاجعل الحزم عدة تقدمه بين النوائب والدهر فان نلت خيرًا نلته بعزيمة وإن قصرت عنك الخطوب فعن عذر وأنشدني‏:‏ لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا وقمت اشكو إلى مولاي ما أجد وقد مددت يدي بالذل صاغرة اليك يا خير من مدت اليه يد فـلا تردنهـا يـارب خائبـة فبحر جودك يروي كل من يرد وكان أبو نصر الطوسي يصلي بمسجد في درب الشاكرية من نهر معلى ويروي الحديث ثم سافر إلى الموصل‏.‏

فتوفي بها يوم السبت لحادي عشرين ربيع الاول من هذه السنة الحسن بن سلمان بن عبد الله ابن الفتى أبو علي الفقيه ورد بغداد ودرس بالنظامية ووعظ فىِ جامع القصـر وكـان لـه علـم بالـأدب ولـم يكـن قائمـأ بشـروط الوعـظ فكـان يقـول‏:‏ أنـا فـي الوعـظ مبتـدى وأنـا فـي الفقـه منتهـى غيـر أنه أنشأ خطبًا كان يذكرها في مجالس الوعظ ينظم فيها مذهب الأشعري فنفقت على أهل بغداد ومال على أصحاب الحديث والحنابلة فاستلب عاجلًا فتوفىِ في شوال هذه السنة وغسله القاضي أبو العباس ابن الرطبي وصلي عليه في جامع القصر ودفن في تربة الشيخ أبي إسحاق حماد بن مسلم الرحبي الدباس سمع الحديث من أبي الفضل وغيره إلاّ أنه كان على طريقة التصوف يدعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن وكان عاريًا من علوم الشريعة ولم ينفق إلا على الجهـال وكـان ابـن عقيـل ينفـر الناس عنه حتى إنه بلغه أنه يعطي كل من يشكو إليه الحصى لوزة وزبيبة ليأكلها فيبرأ فبعث إليه ابن عقيل إن عدت إلى مل هذا ضربت عنقك وكان يقول‏:‏ ابن عقيل عدوي وكان الناس ينذرون له النذور فيقبل الأموال ويفرقها على أصحابه ثم كره قبول النذر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن النذر يستخرج من البخيل ‏"‏ فصار يأكل بالمنامات كان يجـيء الرجـل فيقـول قـد رأيـت فـي المنـام أعـط حمـادًا كـذا فاجتمـع له أصحاب ينفق عليهم ما يفتح له‏.‏

ومات فىِ رمضان من هذه السنة ودفن بالشونيزية علي بن المستظهر الأمير أبو الحسن توفي في رجب هذه السنة وحمل في الزبزب وقعدوا للعزاء به محمد بن أحمد بن الفضل الماهياني وما هيان قرية من قرى مرو تفقه بمرو على أبي الفضل التميمي ثم مضى إلى نيسابور فأقام مدة عند أبى المعالي الجويني وتفقه عليه وسمع بها الحديث منه ومز أبى صالح المؤذن ومن أبي بكر الثسيرازي وأبي الحسن الواحدىِ ثم سافر إلى بغداد فأقام عند أبي سعد المتّولي

يتفقـه عليـه وسمـع بها أبا نصر الزينبي وغيره وتوفي في رجب هذه السنة وقد قارب التسعين ودفن بقريته ماهيان محمد بن الحسن بن علي بن الحسن أبو غالب الماوردي ولد سنة خمسين وأربعمائة بالبصرة وسمع الحديث الكثير بالبصرة وبغداد وأصبهـان وكتـب بخطه الكثير وكان يورق للناس وكان شيخًا صالحًا وسمعت عليه الحديث وتوفي في رمضان هـذه السنـة ودفـن علـى بـاب مسجـد الجنائـز بقـرب قبـر معـروف علـى الطريـق ورئي في المنام فقال‏:‏ غفر الله لي ببركات حديث رسول اللة صلى الله عليه وسلم وأعطاني جميع ما أملته محمد بن الحسين بن محدمد بن علي أبو تمام بن أي طالب الزينبي بيتـه معـروف ولـد سنـة سـت وأربعيـن وسمـع مـن القاضيين ابن المهتدي وابن الفراء وتوفي في ذي القعـدة مـن هـذه السنـة وصلـى عليـه فـي جامـع الخليفـة ابن عمه على بن طراد ودفن في تربة أبي الحسن القزويني بالحربية محمد بن عمر بن عبد العزيز بن طاهر أبو بكر الحنفي المقرىء من أهل بخارى سافر البلاد فسمع بنيسابور وبخارى وسمرقنـد وهمـذان وبغـداد وأقـام بهـا مـدة ثم عاد إلى ما وراء النهر وسكن سمرقند ثم عاد إلى الحجاز وحدث بالحرمين وغيرهما وكان أديبًا فاضلًا صالحًا مكثرًا من الحديث‏.‏

وتوفي بالأجفر في محرم هذه السنة‏.‏محمود ابن محمد بن ملكشاه توفي يوم الخميس خامس عشر شوال من هذه السنة وجلس الناس للعزاء به ثلاثة أيام هبة اللّه بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين أبو القاسم الشيباني الكاتب ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وبكر به أبوه وباخيه أبي غالب عبد الواحد فأسمعهما من أبي علي ابن المذهب وأبي طالب بن غيلان والتنوخي وغيرهم وعمر حتى صار سيد أهل عصره فرحل إليه الطلبة وازدحموا عليه وكان ثقة صحيح السماع وسمعت منه مسند الإمام أحمد جميعه والغيلانيات جميعها وأجزاء المزكي وهو آخر من حدث بذاك وسمعت منه غير ذلـك بقـراءة شيخنـا ابـن ناصر وكنت ممن كتبها عنه وتوفي بين الظهر والعصر في يوم الاربعاء رابع عشر شوال وترك إلى يوم الجمعة وأشرف على غسله شيخنا أبو الفضل بن ناصروصلى عليه أيضًا بوصية منه في جامع القصر ثم حمل إلى جامع المنصور فصلى عليه شيخنا عبد‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنه كان قد جرى فـىِ أواخـر السنـة الماضيـة كلـام يتعلـق بـدار الضـرب وشكـا العمـال أنهـم يخسرون فنهض ابن حريقا وكذبهم وقال‏:‏ بل يربحون كثيرًا وعرض هذا الكلام على صاحب المخـزن ابن طلحة فأراه عن ذلك ومنعه من الكلام فيه فبلغ الخبر إلى المسترشد فأمر بحسابهم فاذا ربحهم كثير فظهر أن صاحب المخزن يعاونهم وذكر أنه كان يأخذ منهم كل شهر سبعين دينارًا فثبت ذلك عليه فأمر المسشرشد بنقل النظر في ذلك إلى الديوان فانكسر صاحب المخزن بذلك كسرة عظيمة وكان تمام ذلك في أول المحرم هذه السنة فصار صاحب المخزن يجلـس ساعـة في المخزن بعد أن كان يكون فيه معظم النهار ولا يحضر باب الحجرة لما ظهرمن ذلك عليه وخرج التوقيع إلى شرف الدين الوزير بأنك المعتمد عليه والأمر ما تأمر به وأنـت المختـص بالثقة فقوي جأشه بذلك‏.‏

ووصـل مسعـود بـن محمـود إلـى بغـداد فـي عشـرة آلـاف وورد قراجا الساقي ومعه سلجوق شاه بن محمد وكلاهما يطلب السلطنة وانحدر زنكي بن آقسنقر الموصلي لينضم إلى مسعود فلما بلغ تكريت خلف قراجا الملك سلجوق شاه في عدد يسير وأمرهم بمدافعة مسعود إلى أن يعود وأسرى في يوم وليلة إلى تكريت فواقع زنكي فهزمه وأسر جماعة من أصحابه وعاد بهم ثم دخل السفراء بينهم فوقع الإتفاق واجتمع مسعود وسلجوق وقراجا وأحلفهم المسترشد على التوافق والطاعة والاجتماع وكان قراجا يتحكم على مسعود وسلجوق جميعًا‏.‏

وأرجف الناس بمجيء سنجر فعمل السور وجبي العقار وظهر على كتاب كتبه الغزنوي إلى وزيـر سنجـر فأهيـن وخرجـوا متوجهيـن لحرب السلطان سنجر بعد أن أفرد العراق جميعه للوكلاء ووقـع الإتفاق واستظهر بالأيمان وألزم المسترشد قراجا بالخروج فكرهه ولم يجد بدًا من الموافقة فإنه تهدد وتوعد حتى قيل له‏:‏ إن الذي تخاف من سنجر في الآجل نحن نعجله لك الآن وبعث سنجر يقول‏:‏ أنا العبد فما أردت منـي فعلـت فلـم يقبـل منـه وسـار الجماعـة وخـرج المسترشد بعدهم بأيام من باب النصر في سادس جمادى الآخرة والكل مشاة بين يديه إلى أن خرج من عقد السور ثم تقدم بأن يركب الوزير وحده إلى أن خرجوا من عقد السور فركبوا وضج الناس بالدعاء وباتوا يختمون الختمات ويدعون‏.‏

ثـم رحـل فـي ثانـي رجـب وقطعـت خطبة سنجر في ثالث رجب وسارعلى تثبط إلى خانقين فأقام بها وورد سنجر إلى همذان فكانت الواقعة قريبًا من الدينور وكان مع سنجر مائة ألف وستون ألفًا وكان مع قراجا ومسعود ثلاثون ألفـًا فأحصـي القتلـى فكانـوا أربعيـن ألفـًا فقتـل قراجا وأجلس طغرل بن محمد على سرير الملك وعاد سنجر إلى بلاده وكاتب دبيسًا وزنكي بقصد بغداد وفتحها فتوجها إليهـا مـن الموصـل بالعـدة التامـة فـي سبعـة آلـاف فـارس فبلـغ المسترشد اختلاط بغداد وكسرة العسكر فخرج من السـرادق بيـده سيـف مجـذوب وسكـن العسكـر وخـاف علـى نفسـه وعلـى الخزانـة وعـاد مـن خانقين وزنكي ودبيس قد شارفا بغداد من غربيهـا فعبـر الخليفة إلى الجانب الغربي في ألفي فارس وضعف عنهما فطلب المقاربة فاشتطا وكرست ميسرته فكشف الطرحة ولبس البردة وجذب السيف وحمل العسكر فانهزما وقتلت من القوم مقتلة عظيمة وطلب زنكي تكريت ودبيس الفرات وفي هذه السنة‏:‏ كانت الوقعة بين طغرل بن محمد وبين داود بن محمود وآقسنقر الأحمد يكي وكان الظفر فيها لطغرل بهمذان وفيها‏:‏ وزر أنوشروان بن خالد للمسترشد بعث إليه صاحب المخزن ابن طلحة يقول له‏:‏ إن أمير المؤمنين قد عول عليك في الوزارة فينبغي أن تسارع إلى ذلك فأخذ يعتذر ويقول قد عـرف حالي وأني لما وزرت للسلطان محمود طلبت الإقالة وقد رضيت من الدنيا بمكاني هذا فقبل عني الأرض وسل لي الإعفاء فلم يعف فأجاب فعرضت عليه دار ابن صدقة فامتنع وقال‏:‏ كان له علي حق وذلك أنه كان يصله كل سنة بمال كثير فاقتصرعلى دار ابن ودعة فعمرت وعاد دبيس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده وجمع جميعًا وكانت الحلة وأعمالها في يد اقبال المسترشدي وأمد بعسكر بغداد فهزم دبيس وحصل في أجمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيام لا يطعم حتى أخرجه جماس على ظهره وخلصه ووصل الملك داود والأحمد يكي إلـى بغـداد ووصـل ولـد منصور بن سيف الدولة يوم السبت ثالث عشرين شعبان في خمسين فارسًا فلم يعلم به أحد حتى نزل وقبل عتبة باب النوبي وتمور علي الصخرة وقال‏:‏ أنا فلان بن فلان جئـت إلـى أميـر المؤمنيـن فإمـا أن يلحقني بأبي فأستريح وإما أن يعفو عني فأنهى ذلك فعفى عنه وأعطي دارًا وإصطبلًا ودنانير‏.‏

وفـي يـوم الجمعة تاسع عشرين شعبان‏:‏ قبض الخليفة على الوزير شرف الدين وقبض معه على الحسيـن بـن محمـد ابـن الـوزان كاتـب الزمـام ووكـلِ بالوزيـر ببـاب الغربـة وأخـذ من بيته خمسًا وسبعين قطعة فضة سوى المراكب ونيفًا وثلاثين قطعة ذهب سوى المراكب ووجد في داره البدنـة الحـب التي أخذها دبيس من الأمير أبي الحسن لما أسره ومعضدة قيمتها مائة ألف دينار ونقل وفي آخر ذي القعدة‏:‏ أخرج الوزير من الحبس وأخذ خطه بثلاثين ألفًا‏.‏

قال شيخنا أبو الحسن‏:‏ وأحضر نازح خادم خاتون المستظهرية فقيل له‏:‏ أنت حافظ خاتون وقد قذفت بابن المهير فصفع وأخذت خيله وقريته وقتل ابن المهير وأظهر أنه هرب وأظهر أمرهما خدم فكوتب سنجر بذلك وحل المسترشد إقطاعها وأقام معها في دارها من يحفظها إلى أن يأتي جواب سنجر وأخذ إصطبل خيلها فبيع وعمر آدر وتألمت من ذلك وكتبت إلى سنجر فقيل إنه كتب إليها يعلمها بما يريد أن يفتك بالدولة فبعث المسترشد فأخذ الكتاب منها وهيجه ذلك على الخروج إلى القتال‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن حامد بن محمد أبو نصر المستوفي العزيز قبض عليه الأنسابازي وزير طغرل وسلم إلى بهروز الخادم فحمله إلى قلعة تكريت فقتل فيها هذه السنة وكان من رؤساء الأعاجم‏.‏

أحمد بن عبيد الله أحمد بن عبيـد اللـه بـن محمـد بـن أحمـد بـن حمـدان بـن عمـر بـن عيسـى بـن إبراهيـم بـن سعـد بـن عتبـة بـن فرقـد السلمـي صاحـب رسـول اللّـه صلـى الله عليه وسلم ويعرف بابن كادش العكبري ويكنى أبا العز‏:‏ قال المصنف نقلت هذا النسب من خطه سمع أقضى القضاة أبا الحسن الماوردي وكان آخر من روى عنه وأبا الطيب الطبري والعشاري والجوهري وغيرهم وكان مكثرًا ويفهم الحديـث وأجاز لي جميع مسموعاته قد أثنى عليه جماعة منهم أبو محمد ابن الخشاب‏.‏

وقـد أنبأنـا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ سمعت إبراهيم بن سليمان الورديسي يقول‏:‏ سمعت أبا العز ابن كادش يقول‏:‏ وضعت أنا حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقر عندي بذلك وكان شيخنا أبو الفضل بن ناصر سيىء الرأي فيه وقال شيخنا عبد الوهاب‏:‏ ما كان إلا مخلصًا توفي في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

الحسين بن إبراهيم الدينوري أبوعبد الله سمع طرادًا والتميمي وغيرهما وحدث وكان سماعه صحيحًا وتوفي في يوم الأحد تاسع

عبيد اللّه بن المظفر ابن رئيس الرؤساء توفي في هذه السنة وكان أديبًا فاضلًا‏.‏

محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن الفراء أبو الحسين بن أبي يعلى ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة وسمع أباه والخطيب وأبى الغنائم ابن المأمون وأبا الحسين ابن المهتدي وابن النقور وغيرهم وتفقه وناظر وكان متشحدًا في السنة وكـان يبيـت فـي داره بباب الحراتب وحده فعلم بعض من كان يخدمه ويتردد إليه بأن له مالًا فدخلوا عليـه ليـلًا فأخـذوا المال وقتلوه في ليلة الجمعة عاشرمحرم هذه السنة وقدر الله أنهم وقعوا كلهم وقتلوا‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنه دخل مسعود بن محمود في صفر فمضى الوزير في الموكب إلى داره ليهنئه ثم خطب له بالسلطنة ومن بعده لداود ابن أخيه ونثرت الدنانير بجامع القصر حين الخطبة وخلـع عليهمـا وعلى الأمير آقسنقر الأحمد يكي بباب الحجرة وعادوا في السفن وذلك في خامس ربيع الأول وفي آخـر ذلـك اليـوم خـرج رحـل المسترشـد إلـى الرملـة وخـرج فـي صبيحـة الأثنيـن سـادس الشهـر فـي شبارة مصعدا إلى مشرعة التستريين وكان على صدر السفينة يرنقش البازدار قائمـًا بيـده سيـف مشهـور وآقسنقـر الأحمـد يكـي قائمـًا بين يديه وفي الشبارة صاحب المخزن ونظر ومرتجى الخـادم وركـب مـن هنـاك إلـى المضارب ومشى الملكان بين يديه مسافة يسيرة ثَم أمرهما بالركوب فسيرهما إلى آذربيجان بعد أن خلع عليهما وعاد هو وضم إِليهما نظر الخادم ومعه خيمة سوداء ومهد ولواء لحرب طغرل فلقوه وهزموه واستقر مسعود بهمذان وقتل آقسنقر الأحمد يكي وظهر أنه قتله بإطنية واتهم مسعود بقتله وضربت الطبول ببغداد للبشارة‏.‏

وفي صفر‏:‏ خلم على القاضيين ابن الكرجي وابن يعيش وولي ابن الكرجي القضاء والحسبة بنهر معلى وولي ابن يعيش القضاء بباب الأزج وسلم إليه النظر في الوقوف والتركات والترب‏.‏

وجمع دبيس جمعًا بواسط وانضم إليه الواسطيون وابن أبي الخير وبختيار وشاق فنفذ إليه البازدار وإقبال الخادم فهزموه وأسر بختيار وعزم المسترشد على المسير إلى الموصل فعبرت الكوسات والأعلام من الجانب الشرقي إلى الغربي يوم السبت ثاني عشر شعبان ونودي بالجانب الشرقي من تخلف من الجند بعد يومنا هذا ولم يعبرأبيح دمه ونزل أمير المؤمنين في الدار الزكوية التي على الصراة ثم رحل عنها إلى الرملة ثم إلى المزرفة ومعـه نيـف وثلاثـون أميـرًا واثنـا عشـر ألـف فـارس ونفـذ إلـى بهـروز يقول له تنزل عن القلعة وتسلمها وتسلـم الأمـوال وتدخـل تحـت الطاعـة حتـى نسلـم إليـك البلاد فأجاب بالطاعة وقال‏:‏ أنا رجل كبير عاجـز عـن الخدمـة بـل أنـا أنفذ الإقامة وأنفذ مالًا برسم الخدمة ففعل وأعفي ثم وصل المسترشد إلى الموصل في العشرين من رمضان فحاصرها ثمانين يومًا وكان القتال كل يوم ووصل إليه أبو الهيج الكردي المقيم بالجبل ومعه عساكر كثيرة ثم إن زنكي كاتب الخليفة بأني أعطيك الأموال وارحل عنا فلم يجبه ثم رحل وقيل‏:‏ كان السبب في رحيله أنه بلغه أن مسعودًا غدر وقتل الأحمـد يكي وخلع على دبيس‏.‏

وتقدم الخليفة بنقض بستان العميد بقصر عيسى وأخذ آجره السور،

وتوفـي شيخنـا أبـو الحسـن ابـن الزاغونـي وكانـت لـه حلقـة في جامع المنصور يناظر فيها قبل الصلاة ثم يعظ بعدها وكان يجلس يوم السبت عند قبر معروف وفي باب البصرة وبمسجد ابـن الفاعـوس فأخـذ أماكنـه أبـو علـي بـن الراذاني ولم أعطها أنا لصغر سني فحضرت بين يدي الوزير أنوشروان وأوردت فصلًا من المواعظ فأذن لي في الجلوس في جامع المنصور فتكلمت فيه فحضر مجلسي أول يوم جماعة أصحابنا من الفقهاء منهم عبد الواحد بن شنيف وأبوعلي ابن القاضـي وأبـو بكربـن عيسـى وابـن قسامـي وغيرهـم ثـم تكلمـت فـي مسجـد عنـد قبر معروف وفي باب البصرة وبنهر معلى واتصلت المجالس وكثر الزحام وقوي اشتغالي بفنون العلوم وسمعت مـن أبـي بكـر الدينـوري الفقـه وعلـى أبـي منصـور الجواليقـي اللغـة وتتبعـت مشايـخ الحديث وانقطعت مجالس أبي علي ابن الراذاني واتصلت مجالسي لكثرة اشتغالي بالعلم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن سلامة أبو العباس ابن الرطبي الكرخي أحمد بن سلامة بن عبيد الله بن مخلد بن إبراهيم أبو العباس ابن الرطبي الكرخي‏:‏ من كرخ جدان تفقه على أبي اسحاق الشيرازي وأبى نصر ابن الصباغ ثم خرج إلى أصبهان فتفقه علي محمد بن ثابت الخجندي وسمع الحديث من أبي القاسم ابن البسري وأبي نصر الزينبي وغيرهما وولى القضاء بالحريم والحسبة أيضًا وكان له قرب إلى خدمة الخليفة وكان يؤدب أولاده وتوفي ليلة الإثنين مستهل رجب من هذه السنة وصلى عليه بجامع القصر ودفن عنـد قبـر الشيـخ أبـي اسحـاق ببـاب أبـرز وقال رفيقنا موسى بن غريب بن شبابة التبريزي وكان صاحب القاضي أبي العباس‏:‏ دخلت عليه وهو في الموت وهو يأمر بتجهيزه وتكفينه وموضع دفنه وما على قلبه من مزعج كأنه ينتقل من دار إلى دار‏.‏

أحمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله ابن البناء أبوغالب ولـد سنـة خمـس وأربعيـن وأربعمائة وسمع أبا محمد الجوهري وأبا الحسين بن حسنون وأبا يعلى القاضي وأبا الحسين ابن المهتدي وأبا الغنائم ابن المأمون وغيرهم وسمعت منه الحديث وكان ثقة وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة وقيل في صفر‏.‏

أسعد بن صاعد بن إسماعيل أبو المعالي الحنفي خطيب جامع نيسابور سمع أباه وجده وأبـا بكـر الشيـرازي وغيرهـم وكـان مـن بيـت العلـم والقضاء والخطابة والتدريس والتذاكير واشتغـل بالعلـم حتـى أربـى علـى أقرانـه وكانـت إليـه

الخطابـة والتذاكيـر والتدريـس ببلـده وكـان مقبـولًا عنـد السلاطيـن ورد بغـداد فسمع من شيخنا أبي القاسم بن الحصين وتوفي في ذي القعحة من هذه السنة بنيسابور‏.‏الحسن بن محمد بن ابراهيم أبن أحمد بن علي أبونصر اليونارتي ويونارت قرية من قرى أصبهان ولد سنة ست وستين وأربعمائة ورحل وسمع وجمع وكتب وخرج التاريخ وكان مليح الخط حسن القراءة وتوفي في شوال هذه السنة بأصبهان علي بن عبيد الله بن نصر بن السري الزاغوني أبوالحسن قرأ القرآن بالقرا آت وسمع الحديث الكثير من الصريفيني وابن النقور وابن المأمون وغيرهم وقرأ من كتب اللغة والنحو وتفقه على يعقوب البرزباني وكان متفننًا في علوم مصنفـًا فـي الأصول والفروع وأنشا الخطب والوعظ ووعظ وصحبته زمانًا فسمعت منه الحديث وعلقت عنـه مـن الفقـه والوعظ وتوفي في يوم الأحد سابع محرم هذه السنة وصلي عليه بجامع المنصور وجامع القصر ودفن بباب حرب وكان جمع جنازته يفوق الإحصاء‏.‏

أبو القاسم العلوي الهروي سمع من أبي عامر الأزدي جامع الترمذي وسمع كثيرًا مـن الحديـث ووعـظ وكـان لـه القبـول بنيسابور وغيرها وورد بغداد فوعظ وسمع فيها مسند الإمام أحمد على شيخنا أبي القاسم بن الحصين وكان يورد الأحاديث بأسانيدها ويظهر السنة فحصل له ببغداد مال وحملت إليه وأنـا صغيـر السـن وحفظنـي مجلسـًا من الوعظ فتكلمت بين يديه يوم ودع الناس عند سور بغداد ثم خرج وورد مرو‏.‏فتوفي بمرو الروذفي هذه السنة ودفن بها محمد بن أحمد بن يحيى أبوعبد اللّه العثماني الديباجي مـن أولاد محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان أصل أبي عبد الله العثماني من مكة وهو من أهل نابلس ويقال له‏:‏ القدسي وسمع الحديث وتفقه وكان غاليًا في مذهب الأشعري وكان يعظ بجامع القصر وأنشد يومًا في مجلسه‏:‏ ع جفونـي يحـق لي أن أنوحا لم تدع لي الذنوب قلبًا صحيحًا أخلقت بهجتي أكف المعاصي ونعاني المشيـب نعيـًا فصيحـًا كلما قلت قـد بـرا جـرح قلبـي عاد قلبي مـن الذنـوب جريحـا توفي العثماني يوم الأحد سابع عشرين صفر من هذه السنة ودفن في الوردية‏.‏

محمد بن أحمد بن عبيد الله بن الحسين بن دحروج أبو بكر سمع أبا الحسين ابن النقور والصريفيني وحدث وروى عنه أشياخنا وتوفي في رجب هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد أبو سعيد النيسابوري الصاعدي ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة وسمع عبد الغافر بن محمد وأبا القاسم القشيري وأبا حفص عمر بن أحمد بن مسرور وغيرهم وقدم بغداد في سنة ثلاث وخمسمائة حدث فسمع منه شيخنا عبد الوهاب وشيخنا ابن ناصر وخلق كثير وكان رئيس بلدته وقاضيها وكانت له دنيا واسعة ومنزلة عظيمة عند الخواص والعوام وتوفي بنيسابور يوم السبت ثاني عشر ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبد الله أبو بكر المزرفي ولم يكن من المزرفة وإنما كان انتقل إلى المزرفة أيام الفتنة فأقام بها مدة فلما رجع قيل له المزرفي ولد أبو بكر في سلخ سنة تسع وثمانين وأربعمائة قرأ القرآن بالقرا آت وسمع الحديث الكثير من إبن المهتدي وابن الصريفيني وأقرأ وروى وتفرد بعلم الفرائض وسمعت منه الحديث وكان ثقة ثبتًا عالمًا حسن العقيدة وتوفي يوم السبت من محرم هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وقيل إنه مات في سجوده‏.‏

محمد بن محمد أبو خازم بن أبي يعلى ابن الفراء محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف أبو خازم بن أبي يعلى ابن الفراء ولـد سنـة تسـع وخمسيـن وأربعمائـة وسمـع مـن ابـن المسلمـة وابـن المأمـون وجابـر بـن ياسيـن وغيرهم وكان من الفقهاء الزاهدين ومن الأخيار الصالحين‏.‏

توفي يـوم الإثنيـن تاسـع عشـر صفـر ودفـن بـداره ببـاب الـأزج ثـم نقـل فـي سنـة أربـع وثلاثيـن إلـى مقبـرة باب حرب فدفن عند أبيه‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنه في المحرم قتل رجل يقال له علي الحمامي زوجته لأمر اتهمها به وهرب‏.‏

وخلع على إقبال الخادم خلع الملوك ولقب ملك العـرب سيـف الدولـة فركـب بالخلـع فحضـر الديوان فقرىء عليه منشور ونثر عليه دنانير ووقع الاتفاق مع زنكي بن آقسنقر ووصلت رسله بالحمل والهدايا وعزل أنوشروان بن خالد عن الوزارة من غير أن يؤذي بسبب بل نزل في سفينة بعد العتمة وصعد إلى داره بالحريم وأعيد إليها أبو القاسم بن طراد وقبض على نظر الخادم وحبس في سرداب واستصفيت أمواله وفـي ربيـع الـأول مـن هـذه السنـة‏:‏ خلـع على الوزير ابن طراد خلع الوزارة وزيد في مركب الفرس طوقًا وأعطى ثلاثة عشر عملًا كوسات وأعمامًا ومهدًا وركب إلى الديوان‏.‏وفـي جمـادى الأولـى‏:‏ بعـث القاضـي الهيتـي رسـولًا إلـى زنكـي إلـى الموصـل وعـاد فـي جمـادى الآخرة وبين يديه فرس ومركب ذهب خلعه عليه زنكي وقدم رسول سنجر فخلع عليه وهيئت خلع لسنجر بمائة ألف ونيف وعشرين ألف دينار فرحـل بهـا ابـن الأنبـاري مـع رسـول سنجـر فـي جمـادى الأخـرة ثـم بعث المسترشد إلى بهروز الخادم

إلى القلعة يقول له‏:‏ أنت مقيم ومعك الأموال فينبغي أن تعطينا منها شيئًا نفرقه على العسكر فأبى فبعث إليه عسكرًا فحاصره ووقع القتال أول شعبان ثم صانع بإنفاذ مال وفي هذه الأيام حبس محمود المولد في ممطورة واتهم بأنه يكتب ملطفات وقدم البقش السلاحي طالبًا للخدمة مع المسترشد وهو من أكابر الأتراك وخلغ الخليفة على جميع الأمراء ثم عرض العسكر يوم عيد الفطر ونودي‏:‏ لايختلط بالعساكر أحد من العوام ومن ركـب بغـلًا أو حمـارًا فـي هـذا اليـوم أبيـح دمه فما تجاسر أحد أن يفعل ذلك وخرج الوزير شرف الدين وصاحب المخزن وقاضي القضاة ونققيب النقباء وأرباب الدولة في زي لم ير مثله من الخيـل المجفجفة والعسكر اللابس والعدة الحسنة وكل أمير يقبل في أصحابه بخلعة الخليفة فكان العسكر خمسة عشر ألف فارس سوى من كان غائبًا عن البلد ولم ير عيد خرج فيه أرباب المناصب إلا هذا‏.‏

وفـي حـادي عشـر شـوال‏:‏ وقـع حريـق فـي خـان السلسلة الذي عند باب دار الخليفة فتلف مال لا يحصـى وسببـه أن الخاني طبخ فعلقت النار بشيء وهو لا يعلم فلما علم ظن أنه لا يقدر على إطفائه فلم يفتح الباب لأحد فاستوعب النار الكل‏.‏وفـي هذه السنة‏:‏ عاد طغرل إلى همذان ومالت العساكر إليه وتوطد له الملك وانحل أمر أخيه مسعود وكان السبب أن الخليفة بعث بخلع إلى خوارزمشاه فأشار دبيس على طغرل فقال‏:‏ الصواب أن تأخذ هذه الخلع وتظهر أن الخليفة قد نفذها لنا فلا يبقى مع مسعود أحد وبعث الخليفـة‏:‏ إلـى مسعـود يستحثـه علـى المجـيء ليرفـع منه فدخل أصبهان في زي التركمان وخاطر إلى أن دخـل بغـداد فـي نحو ثلاثين فارسًا فبعث إليه التحف الكثيرة ووجدت ملطفات مع قوم إلى طغرل فاستكشف الوزير الحال فإذا هي جواب مكتوب قد كتبه طغرل إلى الأمراء الذين مع الخليفة وقد نفذ لهم خاتمه فلما وقف على ذلك الخليفة قبض على أحد الأمراء فهرب البقية إلى السلطان مسعود ورموا أنفسهم بين يديه وقالوا‏:‏ نحن عبيدك فإذا خذلتنا قتلنا الخليفـة فبعـث الخليفـة يطلبهـم فقـال‏:‏ قـد اجتمعـوا بـي فـلا أسلمهـم فقـال أميـر المؤمنيـن‏:‏ إنمـا أفعـل هـذا لأجلك اوأنصبـك نوبـة بعـد نوبـة ووقـع الإختلـاف بينهمـا واختلط العسكر ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين وتعـذر المشـي في الحال فبعث إليه الخليفة يقول له‏:‏ تنصرف إلى بعض الجهات وتأخذ العسكر الذين صاروا إليك فرحل يوم الإثنين رابع عشرين ذي الحجة والقلوب غير طيبة فأقام بدار الغربة‏.‏

وتواترت الأخبار بتوجه طغرل إلى العراق فلما كان يوم السبت سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة إلى مسعود الخلع والطوق والتاج وتخوت ثياب وتحف بثلاثين ألف دينار وصحبها النقيبان ومرتجى الخادم فلما وصلت الخلع إليه أقام ولم يرحل‏.‏

وفـي هـذا الشهـر‏:‏ نقضـت دار خواجـا بـزرك على شاطىء دجلة في مشرعة درب زاخل ونقلت آلتها إلى دار الخليفة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن إبراهيم أبو الوفاء الفيروزأبادي وفيروزأباد أحد بلاد فارس سمع الحديـث مـن أبـى طاهـر الباقلـاوي وأبـي الحسـن الهكـاري وخدم المشايخ المتصوفين وسكن رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور وكانت أخلاقه لطيفة وكلامه مستحلى كـان يحفـظ مـن سيـر الصالحيـن وأخبارهـم وأشعارهـم الكثيـر وكـان علـى طرائقهم في سماع الغناء والرقص وغير ذلك وكان يقول لشيخنا عبد الوهاب‏:‏ إني لأدعو لك وقت السماع وكان شيخنا يتعجب ويقول‏:‏ أليس هذا يعتقد أن ذلك وقت إجابة‏.‏

توفـي أبـو الوفاء ليلة الإثنين حادي عشر صفر هذه السنة وصلى عليه من الغد بجامع المنصور خلق كثير منهم أرباب الدولة وقاضي القضاة ودفن على باب الرباط وعمل له يوم السبت ثالـث عشـر صفر دعوة عظيمة أنفق فيها مال بين المنصور والرباط على عادة الصوفية إذا مات الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون أبو علي الفارقي من أهل ميارفارقين ولد بها في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني وكان صاحب المحاملي فلما توفي الكازروني قصـد أبـا إسحـاق الشيـرازي فـي سنـة سـت وخمسيـن فتفقـه عليـه قـال‏:‏ فنزلـت فـي خـان حذاء مسجد أبي اسحاق بباب المراتب وكان يسكنه أصحاب الشيخ ومن يتفقه عليه فإذا كثرنا كنا حوالـي العشريـن وإذا قـل عددنـا كنـا حوالـي العشـرة وكان الشيخ أبو إسحاق يذكر التعليقة في أربع سنين فيصير المتفقـه فـي هـذه الأربـعِ سنيـن فيهـا مستغنيـًا عـن الجلوس بين يدي أحد وكان يذكر درسًا بالغداء ودرسًا بالعشي فلما كانت سنة ستين عبرت إلى الجانب الغربي إلى الشيخ أبي نصر بن الصباغ قرأت عليه الشامل ثم عدت إلى الشيخ أبي إسحاق فلازمته إلى حين وفاته‏.‏

سمع أبو علي الحديث من أبي الغنائم ابن المأمون وأبي جعفر ابن المسلمة وأبي إسحاق وولي القضاء بواسط وأعمالها وسكنها إلى حين وفاته وكان زاهدًا ورعًا مهيبًا لا يحابي أحدًا في الحكومات وكان يتشاغل بإعادة العلم مع كبره وكان في آخره عمره يقول لأصحابه إذا حضروا الدرس‏:‏ كررت البارحـة الربـع الفلانـي مـن المهـذب وكـررت بارحـة الأولـى الربـع الفلانـي مـن الشامل وكانت حواسه صحاحًا وعقله كاملًا‏.‏وتوفي بواسط في محرم هذه السنة وهو ابن ست وتسعين‏.‏

عبداللّه بن محمد بن أحمد بن ا‏!‏ سين أبو محمد بن أبي بكر الشاشي ولـد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وغيره وتفقه على أبيه وناظـر وأفتـى وكـان فاضـلًا ظريـف الشمائـل مليـح المحـاورة حسن العبارة وحضرت مجلس وعظـه وكـان ينشـىء الكلـام المطابق المجانس ويقوله في المجلس سمعته يقول في مجلس وعظه‏:‏ أين القدود العالية والخدود الوردية امتلأت بها العالية والوردية وهذا اسم مقبرتين في نهر معلى‏.‏

وحضر يومًا آخر النهار في التاجية للوعظ وكان في السماء غيم فارتجل في الطريق أبياتًا وأنشدها في آخر المجلس وهي‏:‏ قضية أعجب بهـا قضيـه جلوسنا الليلة في التاجيه والجـو فـي حلتـه الفضيه صقـا لهـا قعقعـة رعديـه أعلامها شعشعة برقية تنثر مـن أردانهـا العطريـة ذائـب در ينشـر البريـة والشمس تبدو تارة جلية حتى إذا كانت لنا العشية نضت لباس الغيم بالكليه وأسفرت في الجهة الغربيه صفراء في ملحفة ورسيه كرامة أعرفهـا شاشيـه ومن أشعاره‏:‏ الدمع دمـًا يسيـل مـن أجفانـي إن عشت مع البكاء ما أجفاني سجّني شجني وهمتي سجاني والعاذل بالملام قد شجاني والذكر لهم يزيد في أشجانـي والنوح مع الحمام قد أشجانـي ضاقت ببعاد مهجتي أعطاني والبين يـد الهمـوم قـد أعطانـي توفـي أبـو محمـد ثانـي المحـرم وصلـي عليـه بجامـع مـع القصـر ودفـن عند قبر أبيه في تربة الشيخ أبي إسحاق‏.‏

عبد اللّه بن المبارك بن الحسن العكبري أبو محمد المقرىء ابن نبال سمع أبا نصر الزينبي وأبا الغنائم بن أبي عثمان وعاصمًا وغيرهم وحدث وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبـي سعـد البردانـي وكـان صحيـح السمـاع مـن أهـل السنـة وبـاع ملكـًا لـه وتوفي ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الأولى ودفن بباب حرب‏.‏

عبد الخالق بن عبد الواسع أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري عبد الخالق بن عبد الواسع بن عبد الهادي بن عبد الله أبو الفتوح ابن أبي رفاعة الأنصاري‏:‏ جمـع وحـدث وكـان جـوادًا حسـن الأخلـاق لطيـف الشمائـل روى عنـه أشياخنـا وتوفي في شعبان هذه السنة‏.‏

عبد الواحد بن شنيف أبو الفرج تفقه على أبي علي البرداني وكان مناظرًا مجودًا وأمينًا من قبل القضاة ومشرفًا على خزانة السلطان وكانت له فطنة عظيمة وشجاعة وقوة قلب‏.‏

حدثنـي أبـو الحسن بن عربية قال‏:‏ كان تحت يده مال لصبي وكان قد قبض المال وللصبي فهم وفطنة فكتب الصبي جملة التركة عنده وأثبت ما يأخذه من الشيخ فلما مرض الشيخ أحضر الصبي وقال له‏:‏ أي شيء لك عندي فقال‏:‏ والله مالي عندك شيء لأن تركتي وصلت إلي بحساب محسوب وأخرج سبعين دينارًا وقال‏:‏ خذ هذه لك فإني كنت أشترىِ لك بشيء من مالك وأعود فأبيعه فحصل لك هذا المال‏.‏

وحدثنـي أبـو الحسـن قـال‏:‏ توفي رجل حشوي بدار القز وكان أبو العباس الرطبي يتولى التركات فكتـب إليـه الشيخ عبد الواحد‏:‏ تتولى تركة فلان فحضر وأعطى زوجته حقها وأعطى الباقي ذوي أرحامه وكتب بذلك فكتب ابن الرطبي مع مكتوبه إليه إلى المسترشد يخبره بما صنع وأنـه ورث ذوي الأرحـام فكتـب المسترشـد‏:‏ نعـم مـا فعـل إذ عمـل بمذهبـه وإنمـا الذنب لمن استعمـل فـي هـذا حنبليـًا وقـد علـم مذهبـه فـي ذلـك‏.‏

وتوفـي عبـد الواحـد فـي شعبـان هذه السنة وخلف مالًا كثيرًا‏.‏

محمد بن أحمد بن علي القطان ابن الحلاج قرأ القرا آت وحدث عن أبي الغنائم ابن أبي عثمان وكـان خيـرًا زاهـدًا كثيـر العبـادة دائـم التلاوة حسن الخلق يسكن التوثة من الجانب الغربي وكان النـاس يزورونـه ويتبركـون بـه كنـت أزوره كل سبت وأنا صبي فيدعو لي ويقرأ على صدري وتوفي ليلة الإثنين العشرين من جمـادى الأخـرة وصلـى عليـه شيخنا عبد الوهاب الحافظ ودفن بالشونيزية وكان جمعه متوفرًا محمد بن عبد الله بن أحمد

ولد سنة أربع وخمسين وأربعمائة سمع أبا الحسن الواحدي وأبا بكر بن خلف وأبا علي بن نبهان وأبا المعالي الجويني وعليه تفقه وكان متنسكًا ورعًا كثير العبادة وتوفي بنيسابور في هذه السنة‏.‏

محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي أبورشيد من أهل طبرستان ولد سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وحجِ وأقـام بمكـة مـدة وجمـع الحديـث وحـدث بشـيء يسيـر وكـان زاهدًا منقطعًا مشتغلًا بنفسه وكان قد ركب البحر فلما وصل إلى بعض الجزائر خرج من السفينة وودع أصحابه وقال‏:‏ أريد أن أقيم ها هنا فسألوه أن لا يقيم فلم يفعل فتركوه وذهبوا في البحر فهاجت ريح فردتهم إليه فسألوه أن يمضي معهم فما أجاب فمضوا فهبت الريح مرة أخرى فردتهم إليه كذلك عدة نوب ويسألونه فيأبى‏.‏

فاجتمع التجار إليـه وقالـوا‏:‏ تسعـى فـي إتلـاف نفوسنـا وأموالنـا فإنـا كلمـا دفعنا ومضينا ردتنا الريحِ إليك فاصحبنا فـي دربنـد فـإذا رجعنـا فأقـم هاهنـا فأجابهـم وأقـام معهـم فـي دربند أيامًا ورجع إلى الجزيرة وأقام بهـا سنتيـن وكـان فـي الجزيـرة عيـن مـاء فكـان يشـرب منهـا ويتوضـأ ثـم رجـع إلـى آمل فسكنها إلى أن توفي بها في جمادى الأولى من هذه السنة وقبره بآمل معروف يتبرك به‏.‏

قال بعض أصحابه‏:‏ ذهبت إلى الجزيرة التي كان انقطع فيها فرأيت ثعبانًا يبتلع ابن آدم كما هو فزرت موضع سجوده ورجعت‏.‏

هبة اللّه بن عبد الله بن أحمد عبد اللّه أبوالقاسم الواسطي الشروطي من أهل الكرخ ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة سمع أبا الغنائم بن المأمون وأبا الحسين بن المهتـدي وأبـا جعفـر ابـن المسلمـة وأبـا بكـر الخطيـب وكـان ثقـة صالحـًا فاضـلًا عالمـًا مكثـرًا مقبلًاعلى ما يعنيه توفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

أم المسترشد باللّه توفيت وقت العتمة ليلة الإثنين تاسع عشر شوال هذه السنة وأخرجت ليلًا فدفنـت فـي الرصافة ومـن العجائـب أنـه نفـذ تلـك الليلـة إلـى أبي القاسم بن السياف في معنى حاجة لأجل الميتة فنفذ معهم ابنًا له صغيرًا ليعطيهم حاجتهم فدخلوا ومعهم نقاط فوقع من النفط في أعدال قطن فاحترقت وحصل الصبي في الخزانة وحده وأحاطت به النار فلم يجد محيصًا فاحترق‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها قد ذكرنا أن أمير المؤمنين قال للسلطان مسعود إرحل عنا بأصحابك وأنه أقام على دار الغربة متلومـًا فنفـذ إليه الجاولي شحنة بغداد مصانعًا له على الخروج وأمر إن هو دافع أن يحط خيمه ثـم بعـث إليـه الخلـع فـي سلخ ذي الحجة ثم أحس منه أنه قد باطن الأتراك واطلع منه سوء نية فأخرج أمير المؤمنين سرادقه وضربه عند رؤوس الحيطان وأخرج أرباب الدولة خيمهم فوصل الخبر بأن طغرل مات يوم الأربعاء ثالث المحرم ورحل مسعود جريدة فتلاحقه العسكر وأعاد الخليفة سرادقه فوصل مسعود إلى همذان واختلف عليه العسكر وانفرد عنـه قـزل وسنقـر وغيرهمـا وأسرى إليهم ففرق شملهم فورث منهم إلى بغداد جماعة وأخبروا بسوء ضميره منهم البـازدار وقـزل وسنقـر وخـرج أنوشـروان في أصحابه وأهله إلى خراسان لوزارة السلطان مسعود فالتقى به الأمراء الداوودية فأخذوا جميع ما معه‏.‏

وفـي خامـس عشـر المحـرم‏:‏ لقـي القاضـي الهيتـي فـي طريق مشهد أبي حنيفة فأخذت ثيابه ونعليه وطيلسانه ووقع من البلغة فوهنت يده وقيل‏:‏ إنه ضرب بالسيف مرات فلم يعمل فيه بل تقطع كتـاب كـان فـي كمـه وقيـل‏:‏ إن الـذي فعـل ذلـك جماعـة مـن العسكـر الخارجين وقيل‏:‏ بل حكَم على زنكي فحقد عليه ففعل به ذلك‏.‏

وفي آخر المحرم‏:‏ وصل ابن رنكي وخرج الموكب فاستقبله ومعهـم قاضـي القضـاة والنقيبـان ودخل من باب الحلبة في موكب عظيم ونزل فقبل العتبة وقال‏:‏ أنا وأبي عبيدهذه الدولة وما زالت العبيد تجني والموالي تصفح ونحن بحكم الخدمة في أي شيء صرفنا تصرفنا وبذل أن يسلم مفاتيح الموصل وغيرها إلى الخليفة وأن يأتي أي وقت أمر وبذل الأموال وقيل‏:‏ إنه قال‏:‏ هذه والدتي وجماعة من النساء رهائن على ذلك فبعث إليه الإقامة وأنزل في الجانب الغربي في دار ابن الحاذوري الملاح‏.‏وفي غرة صفر‏:‏ وصل رسول دبيس يقول‏:‏ أنا الخاطىء المقر بذنبه فمهما تقدم إلي امتثلته فمات رسوله فمضى إلى مسعود‏.‏

ووصل سديد الدولة ابن الأنباري من عند سنجر وكان قد تلقى لما مضى من أربعة فراسخ فلمـا أراد ابـن الأنبـاري أن يخلـع علـى سنجـر وعلـى أولـاد أخيـه قال‏:‏ ما أريد أن يكون الخلع إلا في يوم واحد وتبدأ بالاصحاب وأكون أنا في الأخير وضرب نوبتية عظيمة خارج البلد وضرب فيها تخت المملكة وجلس وخلع على الأمراء والملوك ثم صعد ابن الأنباري على التخت فأدى إليه رسالة الخليفة وسلم إليه المكتوب وهو في خريطة فقام قائمًا ونزل وقبل الأرض وأعاد فصعـد وتـرك الخريطة على ركبته وألبس الخلع والتاج والطوق ثم نزل سديد الدولة فقدم الفرس بالمركب وهو منعل بالذهب وقدم مركب أمير المؤمنين بالسيور الفرس الذي يركبه فنزل سنجر وقبل حافر الفرس وعاد فصعد وجرى ذكر طغرل فقال‏:‏ أنا أعلم أنه أعقل من مسعود وأصلح لأمير المؤمنين ولكني قد وليته ولا أرضى لنفسي أن أتغير ثم جواب الكتاب وقال‏:‏ أنا العبد المملوك‏.‏

وفـي ربيـع الأول‏:‏ وصلت هدايا من بكبه من البصرة فيها القنا وناب الفيل وآبنوس وميس وفي قفصين طاووسان ذكران وانثيان وفـي ربيـع الآخـر‏:‏ خلـع علـى اثنيـن وعشريـن أميرًا من السلاحية ثم تواترت الأخبار بتغير مسعود التغير الكلي وجمع العساكر وأن قصده بغداد فبعث الخليفة إلى بكبه فوعد بالمجيء وصـل دبيـس إلـى حلوان ومعه عسكر قد تقدمهم مسعود في المقدمة وجمع مسعود العساكر وأقطعهم البلـاد والعـراق وعـزم علـى المجـيء إلى بغداد وتجهز فلما سمع الخليفة ذلك بعث مقدمته إلى المرج وهم الجاولي شحنة بغداد وكجبه وأرغش وجماعة من السلاحية في ألفين وخمسمائة فارس وقال‏:‏ تقيمون هناك وتحفظوق الطريق إلى أن أصل إليكم وبعث إلى زنكي وكان على باب دمشق قد حاصرها لما قتل تاج الملوك وولي أخوه وكان صغيرًا فطمع فيهم زنكي فبعثوا إلى الخليفـة حمـلًا كثيـرًا وخطـًا بخمسيـن ألـف دينار وقالوا‏:‏ ادفع عنا زنكي ونحن نحمل هذ‏!‏ في كل عام فبعث إليه تنح عنهم واخطب للصبي وتعال معه إلى العراق حتى أخطب له ونتساعد على مسعود فقال‏:‏ السمع والطاعة وخطب للصبي‏.‏

وأما حديث مسعود‏:‏ فإن عمه سنجر بعث بخادم يقول له‏:‏ هؤلاء الأمراء الذين معك وهم‏:‏ البازدار وا بن برسق وقزل ويرنقش ما يتركونك تبلغ غرضًا لأنهم عليك لا معك وهم الذين أفسدوا أمر أخيك طغرل فإذا وقفـت علـى المكتـوب فابعـث إلـى رؤوسهـم فأطلعهـم علـى المكاتبة وقال‏:‏ لو أردت بكم سوءًا لفعلت فقبلوا الأرض وقالوا الآن علمنا أنك صافي القلب لنـا فابعـث دبيسـًا فـي المقدمـة فلمـا انفصلـوا عنـه قالـوا مـا وراء هـذا خيـر فيجـب أن نمضـي إلى أمير المؤمنيـن فـإن لـه فـي رقابنـا عهـدًا وهـذا عقـد بـه الغـدر فكتبـوا إلـى أميـر المؤمنيـن إنـا قـد انفصلنا عن مسعود ونحن في بلاد ابن برسق فإن كان لك نية في الخروج فاخرج فنحن في يديك وإلا فاخطـب لبعـض أولـاد السلاطيـن ونفـذ به حتى نكون معه فأجابهم‏:‏ كونوا على ما أنتم عليه فأنا صائر إليكم وتجهز للخروج وبعث سديد الدولة إليهم يطيب قلوبهم ويعدهم بالإقطاع ويخبرهم أنه في أثره فلما سمع مسعود بذلك رحل في جريدة ليكبسهم فانهزموا من بين يديه يطلبون العـراق فأخذ أموالهم ونهب البلاد وسبقهم سديد الدولة إلى بغداد مخبرًا بالحال فاعتد بالإقامة والتحف والأموال ليتلقاهم‏.‏

ووقعت زلزلة شديدة ثلاث مرات ببغداد فـي جمـادى الآخـرة وقـت الضحـى حتـى تحركـت الجدران فلمـا كـان يوم السبت حادي عشر رجب تقدم أمير المؤمنين إلى أصحابه بالخروج وأخر نوبتيته فضربهـا عنـد الثريـا وأخـرج أصحـاب المراتـب خيمهـم وانزعـج أهـل بغـداد وعـاد دبيـس إلى مسعود فأخبره بخروج المقدمة وبما الناس عليه فبعث معه خمسة آلاف فارس لينكبسوا على المقدمة فأتوا على غفلة فأخذوا خيلهم وأموالهم فأقبلوا عراة ودخلوا بغداد يوم الخميس سادس عشر رجب فعرج بهم إلى دار السلطان وحملت لهم الفروش والأواني والإقامة وبكر الأمراء الكبار فجـاؤا فـي دجلـة إلـى بيـت النوبة فأكرموا وخلع عليهم الخلع السنية وأطلق لهم ثمانون ألف دينار والبرك التام ووعد بإعادة ما مضى منهم وفي هذا اليوم‏:‏ قطعت خطبة مسعود وخطب لسنجر وداود واستفتي الفقهاء فيما يقابل به مسعود على أفعاله فأفتوا بعزله وقتاله فلما كان يوم الأحد أخرج الكوس والعلم والرحل فلما كـان يـوم الإثنيـن خـرج أمير المؤمنين من باب البشرى وركب في الماء ونزل الناس بالسفن وأحاط بالسفينـة التـي فيهـا أميـر المؤمنين الأمراء والخدم بالسيوف المجذبة وكان في سفينة البازدار على صدر السفينة بيده سيف مجذوب وقزل بين يديه بسيف مجذوب والجاولي وإقبال والخواص وصعد عند الدكة فركب ومشى الناس كلهم بين يديه إلى أن دخل السرادق وكان قريبًا من فرسـخ لأنه كان عند رؤوس الحيطان وكان العوام يضجون بالدعاء ويؤبون منه فإذا همَّ الغلمان بمنعهم نهاهم أمير المؤمنين عن المنع ثم رحل يوم الخميس ثامن شعبان في سبعة آلاف فارس وكان مسعود بهمذان في نحو ألف وخمسمائة فارس وكان أصحاب الأطراف يكاتبون أمير المؤمنين ويبذلون له طاعتهـم فتريـث فـي طريقـه فاستصلـح مسعـود أكثرهـم حتـى صـار فـي نحـو خمسـة عشرألفـًا وتسلـل جماعة من أصحاب المسترشد فبقي في نحو من خمسة ألاف ونفذ إليه زنكي نجـدة فلـم تلحـق وأرسـل داود بـن محمـود وهـو بأذربيجـان رسـلًا يشيـر بالميـل إلى دينور ليوافي داود وابن محمد الخدمه فلم يفعل المسترشد وضرب المصاف يوم الإثنين عاشر رمضان فلما التقى الجمعان هرب جميع العسكر الذين كانوا مع المسترشد وكان ميمنته البازدار وقزل ونور الدولة شحنة همذان فحملوا علـى عسكـر مسعود فهزمهم ثلات فراسخ ثم عادوا فرأوا الميسرة قد غدرت فأخذ كل واحد منهم طريقًا وأسـر المسترشـد وأصحابـه وأخـذ مـا كـان معـه من الأموال وكانت صناديق المال على سبعين بغلًا أربعة ألاف ألف دينار وكان الرحل على خمسة آلاف جمل وأربعمائة بغل وكان معه عشرة آلـاف عمامـة وبركـان وعشرة آلاف قباء وجبة ودراعة وعشرة آلاف قلنسوة مذهبة وثلاثة آلاف ثـوب رومـي وممزوج ومعنبر ودبيقي ومضى من الناس ما قدروه بعشرة آلاف دينار سوى الخيل والأثـاث ونـادى مسعـود فـي عسكـره المـال لكـم والـدم لـي فمـن قتـل أقدتـه ولـم يقتـل بيـن الصفين سوى خمسة أنفس غلطًا ونادى من أقام بعد الوقعة من أصحاب الخليفة ضربت عنقه فهرب الناس فأخذوا بين الجبال أخذتهم التركمان والأكراد ومنهم من أفلت عريانًا فوصلوا إلى بغداد وقد تشققت أرجلهم من الجبال والصخور وبقي الخليفة في الأسر فأما وزيره ابن طراد وصاحب مخزنـه ابـن طلحـة وقاضـي القضاة الزينبي ونقيب الطالبيين وابن الأنباري فإنه بعث بهم إلى القلعة وبعث ببكبه شحنة إلى بغداد ومعه كتاب الخليفة إلى أستاذ الدار يقول فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين ليعتمد الحسن بن جهير مراعاة الرعية والاشتمال عليهم وحمايتهم وكف الأذى عنهم فقد ظهرمن الولد غياث الدنيا والدين متع اللـه بـه فـي الخدمـة مـا صـدق بـه الخدمـة فليجتمـع وكاتب الزمام وكاتب المخزن على إخراج العمال إلى نواحـي الخـاص لحراستهـا فقـد نـذب مـن الجنـاب الغياثـي هـذا شحنـة لذلـك وليهتـم بكسـوة الكعبـة فنحن في أثر هذا المكتوب إن شاء الله‏.‏

فلمـا كـان يـوم عيـد الفطر نفر أهل بغداد ووثبوا على الخطيب وكسروا المنبر والشباك ومنعوا من الخطبة وخرجوا إلى الأسواق يحثون على رؤوسهم التراب ويبكون ويصرخون فاقتتل أصحاب الشحنـة والعـوام وخرج النساء حاسرات يندبن في الأسواق وتحت التاج وكان الشحنة قد عزم أن يجوز في الأسواق فاجتمع العوام على رجمه وهاشوا فاقتتل أصحاب الشحنة العوام فقتل من العوام مائة وثلاثة وخمسون وهرب أبو الكرم الوالي وحاجب الباب إلى دار خاتون ورمى أصحاب الشحنة الأبواب الحديد التي على السور وفتحوا فيه فتحات وأشرفت بغداد على النهب فنادى الشحنة‏:‏ لا ينزل أحد في دار أحد ولا يؤخذ من أحد شيء وإنما جئنا لنصلح وإن السلطان سائر إلى العراق بين يدي أمير المؤمنين وعلى كتفه الغاشية فسكن الناس وطلب السلطـان من أمير المؤمنين نظر الخادم فأنفذ فأطلقه وبعثه إليه واختلف الأراجيف فقوم يقولون‏:‏ إن السلطان ينتظر جواب عمه سنجر وقوم يقولون‏:‏ يصل عن قليل وقوم يقولون‏:‏ إن داود قد عزم على قتال مسعود واستنقاذ الخليفة منه فسار مسعود إلى داود إلى باب مراغة وأخذ الخليفة معه‏.‏

وزلزلت بغداد مرارًا لا أحصيها وكان مبتدأ الزلازل يوم الخميس حادي عشر شوال فزلزلت يومئذ ست مرات ودامت كل يوم خمس مرات أو ست مرات إلى ليلة الجمعة سابع عشرين

شوال ثم ارتجـت يـوم الثلاثـاء النصـف مـن الليـل حتـى تفرقعـت السقـوف وانتثـرت الحيطـان وكنـت فـي ذلـك الزمـان صبيـًا وكـان نومـي ثقيـلًا لا أنتبـه إلا بعـد الإنتباه الكثير فارتج السقف تحتي وكنـت نائمـًا فـي السطـح رجـة شديـدة حتـى انتبهـت منزعجـًا ولـم تزل الأرض تميد من نصف الليل إلى الفجر والناس يستغيثون‏.‏

ثـم أن الشحنـة والعميـد عطـلا دار الضـرب وعمـلا دار ضـرب عندهـم بسـوق العميد ودار الشحنة وقبضوا على ابن طوق عامل الجاولي ونفذوا إلى ابن الحاجب ضامن العقار فقالوا‏:‏ تجبي العقار وتسلمه إلينا وقبضوا على ابن الصائغ متولي التركات الحشريـة وقالـوا‏:‏ نريـد مـا حصل عندك من التركات وعوقوا قرى ولي العهد وختموا على غلاتها‏.‏

فأفتك ذلك منهـم بستمائة دينارحتى أطلقوها وجاء تمر كثير للخليفة فبيع فأخذ العميد والشحنة الثمن وتفاقم الأمر واستسلم الناس وانقطع خبر العسكر‏.‏فلما كان يوم الثلاَثـاء مستهـل ذي القعـدة وصـل خمسمائـة وعشـرون ركابيـًا معهـم خـط أميـر المؤمنين إلى ولي العهد بوصول رسول سنجر إلى مسعود يقول فيه‏:‏ ساعة وقوف الولد العزيز غيـاث الدنيا والدين مسعود على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين أعز اللّه أنصاره ويقبل الـأرض بين يديه ويقف ويسأله العفو عنه والصفح عن جرمه وإقدامه ويتنصل غاية التنصل فإنه قد ظهرت عندنا من الآثار السمائية والآرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها دون المشاهد من الرياح العواصف والبروق الخواطف وتزلزل الأرض ودوام ذلك عشرين يومًا وتشويش العساكـر وانقلاب البلدان ولقد خفت على نفسي من جانب الله تعالى وظهور آياته وجانب المخلوقين والعساكر وتغيرهم علي وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع وكسر المنابر ومنع الخطباء ما لاطاقـة لـي بحملهـا فاللهّ اللّه تتلافى أمرك وتحقن دم المسلمين وتعيد أمير المؤمنين إلى مستقر عزه وتسلـم إليـه دبيسـًا ليـرى فيـه رأيـه فإنـه هو الذي أحوج أمير المؤمنين إلى هذا وأحوجنا أيضا نحن إلـى مثـل هذا وعجل ولا تتأخر وتعمل له البرك وتنصب له السرادق وتضرب له التخت وتحمل له الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء كما جرت عادتنا وعادة ابائنا في خدمة هذا البيت‏.‏

فلما وقف على هذا المكتوب نفذ بالوزير شرف الدين أنوشروان ومعه نظر فاستأذنا له فأذن له فدخل وقبل الأرض بين يديه ووقف معتذرًا متنصلًا يسأل العفو والصفح عن جرمه وأمير المؤمنين مطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال‏:‏ قد عفي عن ذنبك فاسكن إلى ذلك وطب نفسًا وكـان قدضـرب لـه السـرادق فضـرب لـه فيـه سـدة عاليـة ليجلـس عليهـا فقدم له فرسًا لم يكن عند مسعود من خيل أمير المؤمنين اللاتي أخذت سواه وأقسم إنني لم يصل عندي من خيل أمير المؤمنين سواه وسأله الركوب إلى السرادق الذي قد ضرب لـه فنهـض وركـب وسـار وبيـن الموضعيـن نصـف فرسـخ ومسعـود بيـن يديـه علـى كتفـه الغاشيـة يحملهـا ويده في يازكة اللجام وجميع الأمراء يمشون بين يديه إلى أن دخل السرداق وجلس على التخت الذي ضرب له ووقف السلطـان بيـن يديـه والأمـراء زمنـًا طويـلًا ثـم إنـه تقـدم بالجلـوس فأبـى ثم سأل أمير المؤمنين أن يشفعه فـي دبيـس فأجابـه إلـى ذلـك فجـاءوا بـه مكتوفـًا بيـن أربعـة أمـراء اثنـان مـن جانب واثنان من جانب واثنان من جانب ويداه مكتوفتان ومع أحد الموكلين سيف مجذوب وبيد الآخر شقة بيضاء فرموا به بين يدي السرير وألقى السيف والشقة البيضاء عليه وقالوا‏:‏ كذا أمرنا أن نفعل به فقال مسعود‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا هو السبب الموجب لما جرى بيننا فإذا زال السبب زال الخلاف وهو الآن بين يديك فمهما تأمر يفعل به وهو يتضرع ويبكي بين يدي السرير ويقول‏:‏ العفو عند المقدرة وأنا أقل من هذه الحال فعفا عنه وقال‏:‏ ‏{‏لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم‏}‏ وتقدم بحل يديه وسأل دبيس السلطان أن ينعم عليه أمير المؤمنين بتقبيل يده فأخذها وقبلها وأمرها على صدره ووجهه ونحره وقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بقرابتك من رسول الله إلاما عفـوت عنـي وتركتنـي أعيـش فـي الدنيـا عيشـًا هنيئـًا فـإن الـذل والخـوف منـك قـد أخذ مني بالحظ الأوفر فأجابه إلى ذلك وأما بكبه الشحنة فإنه أقام رجالًا لنقض سور بغداد وقال‏:‏ قد ورد منشور بذلك فنقضت مواضع كثيرة وكلف أهل الجانب الغربي الإجتماع على نقضه وقال‏:‏ أنتم عمرتموه بفرح فانقضوه كذلك وضربت لهم الدبادب وجعلوه طريقًا لهم وأعادوا الباب الحديد الذي أخذ من جامع المنصور إلى مكانه‏.‏

فلمـا أهـل هلال في القعدة وصل رسول سنجر يستحث مسعودًا على إعادة الخليفة إلى بغداد ووصل معه عسكر عظيم ووصل إلى سبعة عشر من الباطنية فذكر بعض الناس أنه ما علم أنهم معه والظاهر خلاف ذلك وأنهم دبروا في قتله وأفردوا خيمة من خيمهم فخرج السلطان ومعـه العسكـر ليلقـى الرسـول فهجمـت الباطنيـة على أمير المؤمنين فضربوه بالسكاكين إلى أن قتلوه وقتلـوا معـه جماعـة مـن أصحابـه منهـم أبـو عبـد اللّـه بن سكينة وذلك في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة فركب العسكر وأحاط بالسرادق وخرج القوم وقد فرغوا فقتلوا وقيل إنهم أحرقوا وجلـس السلطـان للعـزاء ووقـع النحيـب والبكـاء وكان ذلك على باب مراغة وغطي بسندسه إلى أن دفن بمراغة‏.‏

ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين من الشهر فاحترس الراشد وقبض على جماعة من أهله وأخوته فوقع البكاء والنحيب وأغلق البلد وكشطت البواري التي على باب النوبي ونقض بعض دكة حاجب الباب وأحضر الناس طول الليلة للمبايعة وبات أستاذ الدار

ابن جهير وصاحب الديوان أبو الرضا وحاجب الباب ابن الحاجب في صحن السلام وكان الانزعـاج في الدار طول الليل فلما أصبحوا وقع البكاء والنحيب في البلد وخرج الرجال حفاة مخرقيـن الثيـاب والنسـاء منشرات الشعور يلطمن وينظمن الأشعار التي من عادتهن قول مثلها في أحيان اللطم وأشعار النساء البغداديات اللاتي ينظمنهـا فـي وقـت اللطـم طريفـة المعنـى وإن كانت على غير صواب اللفظ وكان مما لطمن به أن قلن‏:‏ يا صاحب القضيب ونور الخاتم صـار الحريـم بعـد قتلـك مأتـم اهتزت الدنيا ومن عليهـا بعد النبي ومن ولي عليها قد صاحت البومة على السرادق يا سيدي ذا كان في السوابـق تـرى تـراك العيـن في حريمك والطرحة السـودا علـى كريمـك وقعـد النـاس للعـزاء فـي الديـوان ثلاثـة أيـام وتولـى ذلك ناصح الدولة ابن جهير وأبو الرضا صاحب الديوان وحاجب الباب ابن الصاحب‏.‏

فلمـا كـان فـي اليـوم الثالـث تقدم إلى الناس أن يعبروا بباب المسنية ويلبسوا ثياب الهناء ويحضروا البيعة بباب الحجرة فحضروا يوم الإثنين سابع عشرين ذي القعدة‏.‏

واسمه منصور ويكنى أبا جعفر بن المسترشد عهد إليه أبوه وقيل إنه هم بخلعه فلم يقدر ذلـك وكان ببغداد حين قتل المسترشد بباب مراغة فكتب السلطان مسعود إلى الشحنة الذي مـن قبلـه ببغـداد واسمه بكبه أن يبايع الراشد فجاء أصحابه كالعميد والضامن وجرت مراسلات ليدخل إلى الدار فاستقر أن يقوم من وراء الشباك مما يلي الشط وجلس الراشد في المثمنـة التي بناها المقتدي في الشباك الذي يلي الشط وبايعه الشحنة من خارج الشباك وذلك يوم الإثنين سابع عشرين من هذا الشهر بعد الظهر وحضر الخلق من العلماء والقضاة والشهود والجند وغيرهم وظهر للناس وكان أبيض جسيمًا يشوبه حمرة مستحسنًا وكان يومئذ بين يديه أولاده وأخوته وسكن الناس ونودي في الناس أن لا يظلم أحد أحدًا وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن كانت له مظلمة فليشكها إلى الديوان النبوي وفتح باب المخزن الذي سـد وسكن الناس إلا أن النقض في السور واستيفاء الارتفاع من البلدان والتصرف القبيح من غير معترض‏.‏

فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة نادى أصحاب الشحنة أن يدعى الناس من المظالـم إليهـم فارتابـت قلـوب الناس لذلك وانزعجوا في ثاني ذي الحجة وأقيمت الدعوة والخطبة بالجوامع ومضى إلى كل جامع حاجب وخادم وأتراك وأقاموا الخطبة للراشد ونثرت الدنانير وجلس ابن المطلب وابن الهاروني في المخزن ينظران نيابة وجلس أبو الرضا بن صدقة في الديوان نيابة وكان حاجب الباب ابن الصاحب في الباب لم يتغير‏.‏

فلما كان يوم الإثنين خامس ذي الحجة حضر الناس ببيت النوبة وجلس الراشد وسلم إلى حاجب الباب إنهاء فأخذه ونهض قائمًا فقرأه وكان فيه‏:‏ بسم الرحمن الرحيم لما أجل الله محل أنبيائـه وجعلـه نائبـًا عنـه فـي أرضه آمرًا في سمائه وارتضاه خليفة على عباده وعاملًا بالحق في بلاده تقدم بتصفح ما كان يجري على أيدي النواب في الأيام المسترشدية سقاها اللّه رحمة مستهلـة السحـاب ومـا عسـاه كـان يتـم مـن أفعالهـم الذميمـة فوقف من ذلك على سهم المطالبة بغير حق فاقتضى رأيه الشريف التقدم برفع المطالبة عنهم وأبرز كل ما وجد وأوعز برده على أربابه ليحظى الإمام الشهيد بزلفى ثوابه وليعلم الخاصة والعامة من رأى أمير المؤمنين إيثاره رضا الله سبحانه‏.‏

وأخرج من باب الحجرة أكياس فيها حجج الناس ووثائقهم وما كتب عليهم وما أخذ منهم فأعيـد علـى أربابـه وشهـد الشهود على كل منهم أنه قد أبرأ أمير المؤمنين مما يستحقه في ذمته وتقدموا إلى خازن المخزن بإخراج ما عنده من الوثائق فانصرف الناس يدعون لأمير المؤمنين ويترحمون على الماضي وكان المتولي لقراءة الكتب وتسليمها إلى أربابها كثير بن شماليق ثم حضر الناس يوم الخميس وجرت الحال كذلك وحضر يومئذ القاضي ابـن كـردي قاضـي بعقوبـا فتظلـم وكانـت لـه هنـاك وثائـق وقال‏:‏ ما ظلمني إلا ابن الهاروني وأن أمير المؤمنين لم يأخذ مني شيئًا فكتب صاحب الخبر بذلك فخرج الإنهاء بعزله وقال الراشد‏:‏ هذا القاضي قد كذب وفسق فإن المسترشد كان يأمر ابن الهاروني فلما كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة صلي على المسترشد في بيت النوبة ونودي في بغداد بالصلاة عليه فحضر الناس فلم يسعهم المكان وأم الناس الراشد وخرج الناس في العيد على العادة وتكاثر البكاء على المسترشد عند رؤية الأعلام والموكب وفي يوم الإثنين حادي عشر ذي الحجة‏:‏ قلد ابن جهير الوكالة وصاحب المخزن وجعل ابنه أستاذ الدار ووصل يوم الإثنين ابن أخت دبيس في جمع ودخل على الخليفـة مبايعـًا ومعزيـًا وقعـد ابـن النرسـي فـي المخـزن يفـرق علـى النـاس الذهب عوضًا عن مشاهراتهم من الطعام لأنه لم يكن في الخزائن طعام وفي هذه الأيام مضى إلى زيارة علي ومشهد الحسين رضي الله عنهما خلق لا يحصون وظهر التشيع‏.‏

أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر أبو المظفر بن أبي بكر الفقيه الشاشي تفقه على أبيه وسمع واخترمته المنية قبل زمان الرواية وتوفي في رجب هذه السنة ودفن في داره برحبة الجامع إسماعيل بن عبد الملك بن علي أبو القاسم الحاكمي سمع بنيسابور من أبي حامد الأزهري وأبى صالح المؤذن وغيرهما وتفقه على أبي المعالي الجويني وبرع في الفقة وكان ورعًا وكان رفيق أبي حامد الغزالي وكان أكبر سنًا من الغزالي وكان الغزالي يكرمه ويخدمه‏.‏

وتوفي بطرسوس في هذه السنة فدفن إلى جانب الغزالي‏.‏

ثابت بن منصور بن المبارك أبو العز الكيلي سمع الكثير وكتب الكثير وروى عن أبي محمد التميمي وأبي الغنائم بن أبي عثمان وعاصم ووقف كتبه قبل موته وتوفي في هذه السنة وقيل في السنة التي قبلها‏.‏

أبو الأغر الأسدي كـان أبـوه يحفـظ الذمـام فلمـا ولي المسترشد مضى إليه الأمير أبو الحسن ظنًا أنه على طريقة أبيه فأسلمه وجرت له وقائع مع المسترشد بالله وكان ينهب القرى ويزعج البلاد وقد سبق ذكر أفعالـه فلمـا قتـل المسترشـد عـزم دبيـس علـى الهـرب ووجـد لـه ملطفـة قد بعثها إلى زنكي يقول له‏:‏ لا تجىء واحتفظ نفسك فبعث إليه السلطان غلامًا أرمنيًا من سلاحيته فوقف على رأسه وهـو ينكـت الـأرض بإصبعـه فمـا أحـس بـه حتى ضربه ضربة أبان بها رأسه وقيل‏:‏ بل قتل بين يدي السلطان وذلـك فـي حـادي عشريـن ذي الحجـة وكـان بيـن قتـل المسترشـد وقتلـه ثمانيـة وعشرون يومًا‏.‏

طغرل بن محمد بن ملك شاه توفي بباب همذان يوم الأربعاء ثالث محرم هذه السنة‏.‏

علي بن الحسن بن الدرزيجاني كان شديد الورع كثير التعبد وجرت مسألة المستحيل هل يدخل تحت القدرة فقال‏:‏ يدخل فأنكره شيخنا أبو الحسن الزاغوني عليه وجرت بينهما ملاعنات وبلغ الأمر إلى الديوان وكان لقلة علمه يظن أن المستحيل يتصور وأن القدر يعجز عنه والعجب ممن يدخل نفسه في شيء توفـي يـوم الأحـد حادي عشر ربيع الآخر وصلي عليه في جامع المنصور وتبعه خلق كثير إلى مقبرة باب حرب فدفن هناك‏.‏

الفضل أبو منصور المسترشد باللّه أمير المؤمنين كان له همة عالية وشجاعة وإقدام وكان يباشر الحروب وقد ذكرنا حروبه وما يدل علـى شجاعته وما آل أمره إليه من هجوم الباطنية عليه وقتلهم إياه في يوم الخميس سابع عشر ذي القعده على باب مراغة وهناك دفن ووصل الخبر إلى بغداد ليلة السبت سادس عشرين هذا الشهر فقعد له للعزاء به ثلاثة أيام وكان عمره خمسة وأربعين سنة وشهورًا وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية أشهر وأيامًا‏.‏

محمد بن محمد بن يوسف أبو نصر القاساني من أهل مرو وقاسان بالسين المهملة قرية من قرى مرو ولد سنة أربـع وخمسيـن وأربعمائـة وسمع الحديث من جماعهَ وتفقه وأفتى وحدث وكان غزيـر الفضـل عفيفـًا ورعـًا ورد بغـداد حاجًا بعد الخمسمائة وتوفي في محرم هذه السنة‏.‏